يونس مسكين يكتب: ساحرات اليوسفي وعفاريت بنكيران

01 يونيو 2020 - 19:20

كأغلب المغاربة، المهتمين بالشأنين السياسي والعام بالخصوص، أصابني رحيل الوزير الأول السابق، عبد الرحماناليوسفي، بتلك الدهشة التي تصيب المرء حين تختلط عليه المشاعر المرتبطة بهموم الدنيا بأسئلة الوجود والبقاء. وعلىغرار الكثيرين، حسب ما أرجح، أخذتني هذه الدهشة إلى إعادة فتح الكثير من الكتب والمذكرات والروايات التاريخية،محاولا العثور على ذلك الالتقاط الذي يسمح بالحديث عن شخصية الراحل، مع استلهام درس أو أخذ العبرة أواستخلاص الوصية المحتملة للشخصية التي ودّعتنا قبل يومين.

كدت في الحقيقة أستقرّ على فكرة ألهمتني إياها مقالة الأستاذ محمد الشرقاوي التي خصّنا بنشرها في هذه الجريدةفي العدد الماضي، والتي تحدّث فيها عن رحيل عبد الرحمان اليوسفي إلى القبر دون تحقيق أمنية العمر، وهي حلمالوحدة المغاربية. وكادت رسائل السياسيين والقادة السياسيين من دول المغرب العربي أن تحسم هذا الاختيار، لولا أننيكنت كلما خرجت من متن الكتب والوثائق لأطل على الشبكات الاجتماعية، أجدني أتعثّر في أحجار خشنة تناثرت بينالحسابات والصفحات، جراء التراشق المعيب الذي تفجّر بين من يعتبرون أنفسهم شيعة لليوسفي، ومن يعتقدون أنهميدافعون عن رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران. كما لو أن إحدى الشخصيتين تلغي الأخرى أو تناقضهابالضرورة.

ما من شك في وجود اختلافات كثيرة بين تجربتي حكومتي اليوسفي وبنكيران، من حيث السياق والانتماء الإيديولوجيلحزبيهما وخصائصهما الشخصيةلكنهما تلتقيان في كونهما شكّلتا لحظة فارقة في التاريخ الحديث للمغرب، وآلتاإلى الفشل الذريع، بتحوّلهما إلى مجرّد مناسبة جديدة أخلفنا فيها الموعد مع الإصلاح السياسي.

من القواسم المشتركة بين التجربتين أن الزعيم الاتحادي الراحل رجّح كفة التوافق السياسي مع الملكية بدل الإصرار علىوجود تعاقد دستوري واضح، وأذكر ما قاله لي الصديق حسن طارق، سفير المغرب في تونس حاليا، ضمن ملف أنجزتهفي ماي 2012 للمقارنة بين التجربتين، عن أن اليوسفي انتصر لفكرة أسسها منذ الستينيات، ومفادها أن المغرب محكومبالأعراف وليس بالنصوص، حيث يمكن اعتبار محاضرة بروكسيل الشهيرة بمثابة نقد ذاتي وقف من خلاله اليوسفي علىهشاشة هذا الرهان على التوافق السياسي.

وإلى جانب تهميشهما المرجعية الدستورية لفائدة الأعراف والتقاليد، تتقاطع تجربتا اليوسفي وبنكيران في جريهما وراءالبحث عن ثقة المخزن، والخوف من الوقيعة بينهما وبين الملك، ورهان كل منهما، في المقابل، على ولاية حكومية ثانية لمباشرةالإصلاحات الكبرى، على اعتبار أن الولاية الأولى مخصصة لبناء الثقة بين حزبيهما، الآتيين من ساحات المعارضة، وبينالدولة، ليخرج كل منهما من تصدّر المشهد السياسي بطريقتين لا تحتاجان إلى التذكير بتفاصيلهما.

وإذا كان هناك من اختلاف واضح بين التجربتين، لمن كان هدفه التحليل الموضوعي، فهو علاقة كل من الرجلين بحزبهالسياسي. فاليوسفي اختار أن يجعل الاتحاد الاشتراكي على هامش تدبيره الحكومي، إلى درجة أن مشاورات تشكيلهالحكومة نفسها قام بها بعيدا عن أعين الحزب، فيما اختار بنكيران أن يبقي الحزب في قلب معادلة علاقته بالدولة، لكن أيامن الاختيارين لم يمنع الخروج المحبط من قيادة الحكومة، رغم أنهما فازا بصدارة الانتخابات التي تلت ولايتهما الحكوميةالأولى، التي اعتقدا أنها مجرّد ولاية «تأسيسية».

في الحقيقة، لم يكن كلّ ما قيل في اليومين الماضيين في سياق التراشق الحاد حول المقارنة الممكنة بين اليوسفي وبنكيرانسلبيا وعقيما، بل تخلّلته بعض الومضات المفيدة، من قبيل ما قاله الصديق الإعلامي حسن الهيثمي، عن أن كلا الرجلينحاول الاشتغال من منطلق مراجعاته لأفكاره وإيمانه بالإصلاح الاجتماعي والسياسي؛ «ولهذا أطلق اليوسفي على منكان يعرقل عمله «جيوب المقاومة» وأطلق بنكيران عليهم «العفاريت والتماسيح». وعندما طولب الأول بملاحقة المشتبهبهم؛ قال: «لن أطارد الساحرات»، فيما قال الثاني: «عفا الله عما سلف»؛ العبارتان مختلفتان لكن المضمون واحد…».

ما يغفله الكثير من المتسرّعين في الانخراط في معركة التراشق بدعوى التشيّع لهذا الطرف أو ذاك، هو أن إخوان عبد الإلهبنكيران كانوا في عداد الأغلبية الحكومية لعبد الرحمان اليوسفي في النصف الأول من ولايته الحكومية، عبر ما سمّيبالمساندة النقدية. ويضيّع علينا مثل هذا النقاش العقيم فرصة طرح الأسئلة الحقيقية حول الأسباب التي جعلتنا نخلفموعدنا مع الديمقراطية وترسيخها سواء في 2002 أو في 2016. ولو تحلى بعض المتراشقين بقليل من الهدوء، لتأملواتلك الفقرة التي قال فيها اليوسفي ضمن كتاب مذكراته الذي نشره صديقه امبارك بودرقة، «أحاديث في ما جرى»،والتي يقول فيها بنبرة من الندم والنقد الذاتي: «ظل يخالجني، طيلة العقود المنصرمة، تفكير عميق، ذلك، أنه لو ساعدتوسمحت الظروف ليتعرف كل من الزعيم علال الفاسي والمهدي بنبركة على بعضهما البعض، ولو تمكن كل منهما مناكتشاف الآخر، من خلال الحوار والنقاش السياسي والفكري، وبواسطة العمل اليومي والنشاط التنظيمي، لما حصليوماً الانفصال داخل حزب الاستقلال. ويمكن تصور الشيء نفسه أو كان الحلم به على الصعيد الوطني، لو تمكن كل منالأمير الحسن وعلال الفاسي والمهدي بنبركة ومحمد البصري من بناء جسور التواصل في ما بينهم، والتفكير المشترك فيتصور بناء مغرب ما بعد الاستقلال، لتمكن المغاربة من تفادي العديد من المنعرجات التي أخرت مسيرتنا، ولعشنا مغرباًآخر غير الذي نعيشه».

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي