عادل بنحمزة يكتب: كورونا.. حديث العصا والجزرة!

28 مايو 2020 - 16:16

قَدَرُنا أن نُحصي تكاليف جائحة كورونا التي لازالت تتمدد رغم كل الإجراءات والتدابير التي جرى القيام بها إلى اليوم،هكذا عرفنا التكلفة التقريبية للخسائر الاقتصادية، إذ ذكر قبل أيام وزير المالية أرقاما مفزعة حددها في مليار درهميوميا، وهو ما يعني أزيد من 80 مليار درهم إذا التزمت الحكومة بإنهاء الحجر الصحي يوم 10 يونيو المقبل، وذلكبالطبع متوقف على عوامل عدة، منها أساسا الحالة الوبائية في البلاد، وإذا جرى تمديد الحجر بعد 10 يونيو، وهو أمرمستبعد، ستصبح بلادنا من بين بلدان قليلة على المستوى الدولي التي عرفت أطول فترة للحجر الصحي، وبالتالي،سترتفع تكلفة الحجر إلى أرقام لا يمكن تخيل أثرها في المستقبل القريب، هذه التكلفة تكمن خطورتها في نتائجهاالاجتماعية والسياسية، والتي لن تتأخر طويلا، ليس فقط في المغرب، بل في كل الدول التي تصادف فيها الجائحة بلداناتعاني فيما يتعلق بترسيخ المسار الديمقراطي، أو تعيش مرحلة ردة تهم الديمقراطية والحريات والحقوق، أو تعثراقتصادي سابق على الجائحة لعدة أسباب ومنها على سبيل المثال، الجفاف في المغرب.

قبل عشر سنوات خرجت شعوب منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط فيما سمي بالربيع العربي، لتشكل دينامية نادرةللشارع في المنطقة، احتل فيها الشباب والجيل الجديد من المناضلات والمناضلين واجهة الأحداث إعلاميا، وفي العمقكانت هناك انتفاضة للفقراء في الهوامش والعشوائيات ومدن الصفيح وجزء من الطبقة الوسطى التي جرى تفقيرهابسياسات نيوليبرالية وتعليمات المؤسسات المالية الدولية وجرى طحنها في ماكينة الفساد الذي أتى على الأخضرواليابس، وكانت الأزمة المالية لسنة 2008 والتي تحولت إلى أزمة اقتصادية، النقطة التي أفاضت كأس الاستقرارالخادع في المنطقة، تلك الانتفاضة الشعبية الواسعة التي اتخذت  فيما بعد، لبوسا سياسيا نجحت فيه القوى التي كانتأكثر تنظيما واستعدادا، كانت أساسا وفي الأصل، صرخة في مواجهة الفقر وامتهان الكرامة الذي جرى التطبيع معهفي عدد كبير من دول المنطقة منذ بداية الثمانينيات في سياقات محلية مختلفة، لكنها على العموم كانت تحمل صفاتمشتركة، أبرزها تراجع دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي وتحول ذلك إلى شعار سياسي، وظهور الفوارق الاجتماعيةوالطبقية بشكل غير مسبوق، وكل ذلك جرى في إطار الامتثال التام لتعليمات البنك وصندوق النقد الدوليين فيما عرفبتوافق واشنطن والذي يشكل كل من ريغن وتاتشر، أبرز رموزه، حيث فقدت الدول كثيرا من استقلاليتها وسيادتهاالاقتصادية، وأضحت مرهونة ومكبلة وغير قادرة على الاستجابة للمطالب الملحة لشعوبها. باختصار شديد، يمكن القولإن الربيع العربي كان انتفاضة جياع أكثر منها ثورة تنشد التغيير السياسي وبناء المؤسسات الديمقراطية، جزء من هذهالحقيقة يفسر نجاح أغلب الثورات المضادة، لأن الشعوب كانت تنتظر نتائج فورية على المستوى الاقتصاديوالاجتماعي، بينما بناء الديمقراطية والمؤسسات يحتاج إلى زمن يتجاوز الزمن المطلبي ذي الخلفية الاجتماعية المرتبطةبالفقر بالدرجة الأولى والتفاوت الطبقي، بينما تمكنت كثير من الدول في المنطقة من الالتفاف على مطالب شعوبها باللجوءإلى سياسة الجزرة معتمدة على فوائضها المالية أو للمساعدات الدولية، إضافة إلى التسامح مع عدد من المظاهر مثلالمظاهرات وبعض من الحريات، وكذلك بعض مظاهر الاقتصاد غير المهيكل المرتبط في غالبيته بالبطالة والفقر، ولعلظاهرة الباعة الجائلين الذين احتلوا الساحات والأرصفة وسط تسامح استثنائي، يعتبر تعبيرا عن ذلك.

اليوم، نعيش مقدمات ما كنا نعتبره جزءا من الماضي، فقد كشفت جائحة كورونا مثلا في بلادنا، أن الاقتصاد غيرالمهيكل، الذي كان يمثل مُسكنا فعالا لكثير من وجع الرأس، تحول اليوم إلى كابوس حقيقي، فقد كشفت الجائحة أن أزيدمن 80 في المائة من الساكنة النشيطة تعيش على مدخولها اليومي عارية من أي حماية اجتماعية، كما أن جزءا واسعامن النسيج الاقتصادي عاجز عن مواجهة آثار الجائحة دون دعم حكومي مباشر أو غير مباشر، فهل تستطيع الحكومةالمغربية التغلب على مخاطر عدم الاستقرار التي ستنتج عن تداعيات الجائحة؟ وهل تملك الدولة ما يكفي من الجزر حتىلا تمد يدها إلى العصا التي قد تكون تكلفتها عالية؟

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي